حاضرٌ مظلوم

 لماذا لا نتأمل  لحظات الانتظار ولا نعيرها اهتماما رغم أن حياتنا في معظمها محطات انتظار ؟!.. ينتظر الصغير أن يكبر فلا يستشعر طفولته اللذيذة البريئة الخالية من كل شيءٍ عدا راحة باله .

ننتظر بعدها أن ننهي مرحلة المراهقة لننضج ،ولا ندرك عِظَم وجمال هذه المرحلة لأنها مرحلة لن يعبأ لك أحد فيها ولن يعاتبوك بتصرفاتك الطائشة نوعا ما لأنك مراهق  كما قالوا. 


حين ننضج  وندخل إلى الجامعة بأُولى الخطوات ،ننتظر التخرج ولا نعي جمال المرحلة؛ لأنها تصقل شخصياتنا عبر أساتذة نتأثر بهم فنرى أنفسنا فيهم بعد أن نكبر ، أصدقاؤنا الذين تعرفنا عليهم وربما لا ندرك أنهم أصدقاء عمرنا التائهين والحمدلله وجدناهم في الجامعة ، لحظات الاستذكار المتعبة لا نشعر بجمالها رغم أنها خطوات توصلنا إلى ما نحلم فيه ، احتساء القهوة بين استراحات المحاضرات التي تعطي للقهوة معنى آخر رغم أنها قهوة لم تتغير بالمسمى ولا الطعم ولكن طعمها كان مختلفا برفقة رفقاءِ الجامعة لحظات التوتر والقلق التي تعلو بنا نحو الألق والفكر والتحضر ،هذه هي المرحلة الجامعية باختصار. 


نتخرج فنتوظف بوظائف ربما لا تعطينا حُبًّا ولكنها تعطينا مالاً؛ فنؤثر المادة على المحبة بيد أننا قد نجد بدائلاً نحبها لكنها أقل من المستوى المادي المطلوب فنضحي بوظيفة حبيبة لوظيفة رتيبة لا تعطينا شيئًا عدا العائد المادي فلا نستمتع بوظيفتنا ونؤدي عملنا برتابة وليس بحب ونضل هكذا مدة طويلة لا نستمتع أبدًا بما في أيدينا أملاً وترقبا في مستقبل أفضل برفقة ماذا ؟ برفقة لا شيء لأنه لم يعمل على شيء يسعده. 


نتوق لتكوين الأسرة فنتزوج ، نتوق إلى أطفال يملؤون المنزل ضجيجا وصخبا ، يأتون ، نلتهي عنهم ، ننزعج من طلباتهم ، رغم أنهم كانوا حلمًا لنا قبل مجيئهم. 


تنطلق مسيرة الحياة هكذا ،نصبح في سن التقاعد ، أولادنا كبروا ، أحفادنا جاؤوا ، والوظيفة أصبحت الآن هي الأحب لقلوبنا رغم رتابتها في البداية ليس لشيء بل باختصار لأنها ذهبت .


أطفالنا كبروا ونحن لم نجلس معهم  أو نحاورهم أو نتمتع بهم أو حتى نشهد لحظات نضجهم الصغيرة وتستمر عجلة الحياة بذاتِ الشكل ،وتتكرر ذات العجلة دون التأمل في جمال دورانها المشوّق. 


يا ترى هل الوصول إلى الحلم يفقده بريقه ؟ أم أنه كما قيل كل مفقود مطلوب ؟ أم أن الموضوع بأكمله ما هو إلا شوق للحظات مضت دون رجعة ؟ أم ظروف زمن السرعة جعلت عجلته تأخذ نصيبا لتصبح سريعة بشكل كبير ؟ لا تتعجلوا أوقِفوا  لحظاتكم لثوانٍ تأملوا هذه التفاصيل الجميلة حتى تشهدوا كل لحظة بجمالها وتمتعوا بها؛لأن الحياة ما هي إلا لحظات الحاضر ولكننا ظلمنا حاضرنا كثيرًا !





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مصطلحاتُ العربية بشكل أجمل

قراءة في كتاب لا تكن حجر شطرنج للدكتور عبدالله العمادي

دورة النقد الأدبي