الإجازةُ والوقت

 

أقبلت الإجازةُ بعد عامٍ طويل جنينا فيه حصاد تعبنا وذُقنا به لذةَ الإنجازِ بعد العمل والنجاح..

انتهت سنةٌ بحلوها ومُرها..نجاحاتها وإخفاقاتها..تعثراتها إلى أسفلِ القمة وصعودها إلى أعلى من القمة..لذةُ التعب والإنجاز هي ما تبقت لنا وأقبلت تمطر علينا من جمالها وحلاوتها وأطيافها…

تمر على أذهاننا الآن تلك الذكريات التي تأبى إلا أن تضل خالدةٌ في نفوسنا..بجمالها وألمها..ذكرياتنا مع أساتذتنا الغالين وأصدقاؤنا المقربون ..هتفات صوتِ الأحبة لنا حين ركودِ موجِ عزيمتنا المتلاطم الفيّاض..ودمعتنا على هيئة فرح أو ترح.. وماجنيناه بقلبٍ صامدٍ أمام كلِّ عقبة وبفرحةٍ ملؤها الرفق أمام كلِّ حلاوةِ نجاح.

انقضى الوقت والمؤقت ولم يتبقَّ إلا ما صنعناه فيه ..

هذه الفترة التي نحن بها الآن تُسمى في كتُب المثقفين (فترة انشغال الجميع) ؛فلم يعد هناك متسعٌ من الوقت لأي فرد، فكلٌّ منشغل بما يعمل فيه سواءً كان ذلك مفيدًا أم غيرُ مفيد 

حتى الطفل وجد ما يشغله ولم يعد يجد الوقت الكافي للبقاءِ برهةً مع والديه!

الجميعُ منشغلٌ بلا استثناء ..صغيرًا كان أم كبيرًا وذلك بالتأكيد مما أحبذه؛ لأن الفراغ قاتل للوقت ومهلك للنفس قبل ذلك ..العمل وإن كان مرهقًا تزهق النفس منه؛ إلا أنه يضلُّ متكئًا وملجئًا من بعضِ ما يشغل ذهننا وكل بطريقة عمله..
الكل أجمع على الانشغال ونعود فنقول من منا سوف يكون الانشغال هذا لصالحه ؟ فالبعض منشغلٌ بالعمل،منهمك فيه، والبعض في العلم يتدارسه ويتخذه حصنًا حصينًا ضد الجهلِ وأعدائه لأنه بذلك يسيرُ على نهجِ العلماء وما أجمله من نهج !

والبعض منشغلٌ بالكتب والمكتبات يجد فيها سلوى لروحه وعزاءً لنفسه التي تعلقت بالكتب وما أجمله من تعلق!

والبعضُ منشغلٌ بما ليس من ذلك أبدًا ولا يقع على شاكلته .. أشغلته برامج التواصل بما لا ينفع وانشغل بالتفاهات والقيلِ والقال وإضاعةِ الوقت بالمُلهيات التي لا تُعلي من شأن المرء دينًا ودنيا ! 

كلهم مشغولون ، جمعتهم كلمة (أنا مشغول الآن) ولكن كيف كان انشغال كل فردٍ فيهم ؟ وما فائدة الوقت الذي ذهب منهم وماذا بقي لهم من أثرٍ إثر ذلك ؟ الجواب يعود إليك وإلى إنجازاتك التي رأيتها واقعًا؛ بسبب وقتك الذي ذهب فيما أعلى شأنك دنيا وآخرة فالدراسة مثل.. انقضى وقتها وبقي أثرُ إنجازها العذب !
 
استغلوا أوقاتكم بما أنكم وجدتم الوقت أصلاً الآن فحين يكبر المرء يقل جهده ويقل وقته كذلك ..وقته الفارغ الذي يستطيع أن يستغله فيما يعود عليه بالنفع مستقبلاً وتذكر قول رسولنا الكريم : لا تزول قدم عبدٍ حتى يسأل عن أربع ومن ضمنها (عن عمره فيما أفناه).

آمل لكم أعمارًا مليئة بالسعادة والطاعة والسؤدد والعلا… 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مصطلحاتُ العربية بشكل أجمل

قراءة في كتاب لا تكن حجر شطرنج للدكتور عبدالله العمادي

دورة النقد الأدبي