رحلةٌ مع البحث العلمي

 

الأبحاث العلمية بالنسبة للأكاديميين كالدم في الوريد، هي حياتهم وهي ما يسيرون لأجله وهي من تضفي عليهم الفائدة وتزيد علمهم علما.

 فمن دخل لهذا المجال لا يمكن أن يخرج منه؛ ليس لشيء عدا أنه أصبح جزءًا من هُويتهم وحياتهم .

بعض الأشخاص ممن هو جديد على هذه الساحة قد يقع في فخ وهو أنه سينهي هذه المرتبة العلمية ويأخذها ويرتاح ؛ ولكنه لا يعلم أن نفسه الأبية تأبى إلا للطموح الأعلى فيقول :بحث الماجستير وسأرتاح، فلا يرضى إلا بالدكتوراه فيقول: الدكتوراه وأرتاح فتأتيه أبحاث الترقية للأستاذ المشارك ثم يقول هي وأرتاح فيتبقى عليه نيل درجة "أستاذ" فيشعر أنه قد أتم عمله ولكنه يكتشف أن عمرًا كثيرا منه مضى مع رحلة الأبحاث العلمية دون أن يشعر بجمال تلك المدة وإن كانت عصيبة في بعض الأوقات.

فمتوسط من ينال الأستاذية يكون على مشارف الخمسين وبعضهم قبل ذلك وبعضهم بعد ذلك بكثير حسب مسيرته وخبرته وقراءاته وعلمه.

ورغم أن حلمه الآن بين يده فقد أصبح أستاذًا دكتورًا؛ ولكنه اكتشف بعد ذلك أن رحلته ظاهريًّا انتهت مع الأستاذية ولكنه أصبح يقوم بالمزيد منها؛ لأنها أصبحت تجري في دمه. 

وكيف لا تجري ليس بدمه فقط بل بعروقه وهي التي لازمته طوال مسيرته العلمية والحياتية في سرائه وضرائه بل ربما كان البحث هو الملجأ للباحث من بعض الهموم؛ فينكّب عليه ويُعيد ويَزيد بتقويمه حين انغلاق الهم عليه.

 وبعضهم يجد نفسه منصبّاً على بحثه حال فرحه وكأنه يقول: سأنجزك الآن؛تعبيرًا عن فرحي واشتياقي

لك يا بحثي الماتع!

وفي أحايين كثيرة يكون بحثك عالة عليك فلا تلبث أن تراه حتى يعتريك الحزن والضجر؛ لأنه أصبح هما ثقيلاً عليك رغم أن هذا البحث هو من سيكون الملازم لك في أغلب الأوقات.

فيا أيها الباحث ويا جميع من يسعى لهدف يعتقد بعده أنه سيرتاح

صدقني لن ترتاح بعد إنجازك لهدف معين فإن أنجزت ذلك الهدف سيتبقى لديك الآلاف من الأهداف؛ لأن هذه طبيعة الإنسان المثابر المحب للمجد والعلا.

فلذلك لماذا تنتهي من كل شيء دون الاستمتاع بطعمه؟!

طعم ألمه وفرحه معًا،تفرغك له أو انشغالك عنه،طعم لذة المكابدة والعناء نحو الوصول إلى هدفك فألم الوصول إلى النجاح وإن كان ألمًا في الظاهر إلا أنه في المضمر يحمل طعمًا لذيذًا لا يوصف.

استمتع بما تقوم به وبالأخص أبحاثك العلمية

فهي النقلة الفكرية لعقلك ..وهي الجسر نحو جعلك من العلماء ..وهي الملجأ حين تُثقلك الهموم؛ فتنسكب عليها كما ينسكب الماء إلى داخل الكأس ليرتمي فيه وكأنك بذلك تتكئ على غزير علم هذه الأبحاث دون أن تشعر ..وهي دمك في الوريد ..وهي من تخولك لأن تكون متمكنًا قادرًا على الرقي بمجالك وتخصصك..وهي من تعبر عن وعيك وتوضح مضمرك الذي خَفِي حتى عليك؛ فتجعلك تغوص في أعماق ذاتك من خلالها.

استمتع برحلتك معها فالأوان لم يفت ولا تجعلها هما وحزنا؛ لأنها ستكون معك نصف عمرك ربما إن أكلمت بهذا المجال، فلا تجعل نصف العمر يضيع دون التمتع برحلة مسيرتك العلمية ؛ فيصبح الجزء الأكبر من حياتك مجرد ذكريات مضت دون الاستمتاع بجمالها بغض النظر عن نوعية ذلك الجمال.



سما الكودري 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مصطلحاتُ العربية بشكل أجمل

قراءة في كتاب لا تكن حجر شطرنج للدكتور عبدالله العمادي

دورة النقد الأدبي