قفا نبكي من ذكرى أديبٍ وأدبِ

 قرأت مقالة للأستاذ أحمد أمين يتحدث فيها عن ظاهرة ضعف اللغة والأدب ، أو التعمق بقراءة الأدب العربي والثقافة العربية  على حساب الغرب والعكس.

فنجد من هو مُلم بآداب العربية بينما لا يعرف من يكونان "كانت" و "جوته" وقد نرى خلاف ذلك في شخص آخر،فنجده يتحدث عن الثقافة الغربية بكل ثقة بينما لا يعرف من هو الأخطل أو جرير أو الفرزدق!

قرأت معنى مقاربًا لذلك في كتاب عميد الأدب العربي طه حسين "أدب ونقد" تحدث عن عزوف الشاب المصري تحديدًا  عن الأدب خاصة دون الالتفات لنوعه شرقي أم غربي كما فعل الأستاذ أحمد أمين.

يحزنون على أدبهم الذي ضاع في العصر المتعارف بيننا "بأدب النهضة" ودارسو الآداب أو المطَّلعون عليه يعرفون تقسيمات العصور جيدا ويعلمون أن هذا العصر قامت فيه نهضة أدبية ضج العالم بذكرها وأُسر بمؤلفيها وقيمهم  الأدبية والنقدية تحديدا.

مدارسهم التي أنتجت أفضل الرواد لذلك العصر كالعقاد والرافعي والمنفلوطي وغيرهم. 

يبكون بدمع عصي؛ لأن شيمتهم الصبر وهم في أوج التطور والحضارة وفي مُستهل القوة الأدبية وينعون أدبهم ويتألمون عليه! فماذا نقول الآن؟!

لنأتِ لقضية الثقافة العربية على حساب الغربية أو العكس،كلتاهما مهمتان جدا فما بالكم لو خُلطت ودمجت بثقافات وشعوب مختلفة وفهمهما دارس الأدب معًا ألن ينتج لنا ذلك كم هائل من الثقافة ؟

هذا هو رأي أستاذنا الكبير أحمد أمين وأنا أؤيده كثيرًا ،وأنعى الأدب كما نعاه عميده طه حسين! أما عن تأييدي،فدراسات الأدب المقارن تبين ما أريد قوله؛ فجمال الخلط ينتج أدبا آخر ولونًا رائعا، أضف إلى تشكل جنس ٍأدبي جديدٍ ربما؛  جرّاء امتزاج الثقافات وتعددها.

وأما عن نعيي،فيتمثل بكون طه حسين بكى الأدب وهو في ذُروة الحضارة والثقافة التي شكلت لنا آدابا لازلنا نقرأها؛ نتاجًا للحركات الأدبية والثقافية والعلمية المبهرة! فماذا نقول نحن إذن في عصرنا الذي قل فيه محبي الأدب والتأليف،التأليف بالصنعة الأدبية وليس التأليف لمجرد التأليف. 

الكتابة بالروح القارئة النهمة للأدب واتضاح ذلك باستبانة المعاني الجزلة والقوية والرصينة لدى الكاتب. 

ثقافته العربية والغربية معا،وليست واحدة منهم على حساب الأخرى؛ حتى يتشكل لدى الأديب معانٍ جمة وتعدد هائلٌ في الثقافات والتوسع فيها.

أذكر مما زادني حزنا وألما ،أنني ذات مرة كنت أتحدث بأحاديث الأدب الجميلة الماتعة للقلب وفي وسط حديثي قالت لي أحدى المتحدثات:دعيك ِ من الأدب و كرّسي جهدك بمجالات أخرى،ولا تبقي أسيرة له فهو لا يعطيك لقمة للعيش حتى! 

ومن قال لك أنني أبحر في عوالمه الجميلة حتى أنال شيئا به أو كما قلت ِ لقمة للعيش؟!

من قال لك أنني أحبه لغرض مادي؟! أنا أحبه لأنه جزء من كِياني وهُويتي، تخصصي قائم عليه،قراءاتي وتأليفي وهذا يدل على حبي العظيم لهذا الأدب الذي أحزن عليه الآن! وتريدين مني ترك عوالمه الجميلة التي لن يشعر بها إلا مجربيها؟

تفتت قلبي حين سمعت هذا الكلام ،لا أنكر أن التوسع في المجالات أمر محمود وأنا لا أعارضه إطلاقًا ولا أقف بطريق أي شيء قد تزداد حصيلة المعلومات به لدي ؛ بيد أن الحديث هكذا عن الأدب هو ما أرهق روحي، ماذا أقول يا طه حسين بعد كلامك في زمن ِالأدب وأوج الحضارة الأدبية؟ ماذا عن نصيب الأدب في زمني ووقتي ؟وإن كنا نرى بعضا من الأدباء والفعاليات الثقافية؛ ولكن حديثي عن الأدباء الناشئة وليس عن كبرائها،فعالمو الأدب في عصرنا كانوا بزمن قَدّر الناشئة الأدب فيه ،أما الآن فيندر أن نرى الإقبال نحو الأدب بكل روح محبة وقلب مليئ بكمية الهوى الكبير له الإقبال نحوه لأجله،لكونه جزء من ثقافتنا العربيّة والدمج بينه مع الثقافات الأخرى هو ما يجعل منا نوابغًا و كتّابًا يتضح حبنا لتأليفنا من خلال ثقافتنا العريقة وقراءاتنا المستمرة في هذا المجال الواسع والماتع بوقت واحد وليس لشيء آخر عدا أننا نهواه!

قفوا يا محبي الأدب لنبكي على أدبنا الذي لم أعد أرى رسمه بين الناشئة إلا قليلا!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مصطلحاتُ العربية بشكل أجمل

قراءة في كتاب لا تكن حجر شطرنج للدكتور عبدالله العمادي

دورة النقد الأدبي